إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
129712 مشاهدة
التفكر في مصير من سبق يقوي اليقين

...............................................................................


وهكذا أيضا إذا تفكر الإنسان في أمر من ما مضى من الأمم أمر الأمم التي قد مضت وسيرها وأحوالها. لقد قص الله تعالى علينا قصصا كثيرة من الأمم والأنبياء، وما حصل لهم وكيف نجا من نجا وهلك من هلك، وكيف قالوا وكيف فعلوا، ومع ذلك ما بقي منهم إلا أخبار وآثار.
مثل ما قص الله علينا من قصة قوم عاد قوم هود ذكر الله عنهم أنهم أهل قوة وأهل جبروت حتى أنهم قالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً في نظرهم أنه لا أحد أشد قوة منهم، وكذلك يقول الله عنهم: وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ويقول تعالى عن بلادهم: إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وكذلك أيضا أخبر بزيادة خلقهم بقوله: وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً أي: سعة في أجسامهم، وزيادة على غيرهم.
لا شك أن هذا لم يغن عنهم لما أنهم لم ينيبوا إلى الله، ولم يعبدوه، ولم يطيعوا رسله بل صار ذلك زيادة في عذابهم، ومع ذلك ما تذكروا، ما تذكروا عظمة الخالق في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً مع أنه لا مناسبة بين قوتهم، وقوة الخالق الذي إذا قضى أمرا فإنه إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ولهذا عذبهم بأيسر عذاب؛ أرسل عليهم الريح، الريح التي جند من جند الله تعالى.
هذا الهواء الذي إذا سلطه الله قلع الأشجار، وهدم الدور، وأهلك النبات إذا أرسله ريحا شديدة عاصفة، فهذا ما أهلكوا به، ولم تغن عنهم قوتهم، ولا جبروتهم وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ .